الاسم: محمد منير ... المهنة: ملك
«المغني البارع بحق
هو من يستطيع أن يصيغ من صمتنا.. غناءً».. مقولة للعم «جبران خليل جبران»
لن تستطيع أن تمنعها من التردد بداخل دهاليز عقلك الصغير أثناء سَيرَك
البطئ والمتمهل وسط كل تلك الجحافل من العشاق والمحبين والمريدين أثناء
رحلة الخروج من داخل السياج القماشي الأزرق المضروب حول الـ stage ومن
أمامه الساحة الواسعة عقب كل حفلة له علي مسرحه الخصوصي الكائن بدار
الأوبرا المصرية.. الملك.. محمد منير.
إذا كانت تلك المقولة
تنطبق علي منير في كل حفلاته وأغانيه عموماً.. فإنها في حفلة يوم الجمعة
اللي فاتت كانت تنطبق عليه تحديداً.. فبينما تواصل المساحة الواقعة بداخل
السياج القماشي الأزرق المحيط بمكان الحفلة إمتلاءها بذلك المزيج البشري
الغريب والمميز لجمهور منير من كل الأعمار والثقافات والبيئات والجنسيات..
وبينما الجميع منهمك في الاستقرار علي الموقع الذي سوف يشاهد منه الحفلة..
وبينما التليفونات شغالة الله ينور بين الجميع.. «إنت فين»؟!.. «أنا علي
يمين المسرح.. وإنت»؟!.. وبينما أكثر من قصة حب تستعد لترتع بحرية علي
أرضية ساعتان من الغناء الحقيقي للحب والحرية والإنسان.. وبينما الساحة
الواسعة تواصل تحولها التدريجي من الفراغ إلي الإمتلاء بنقاط صغيرة
ومتراصة بجانب بعضها البعض من الرؤوس البشرية والأدمغة المشتاقة لتعميرها
بشوية فن من اللي بجد.. وبينما الوضع في خلفية الـ stage بات ينبئ عن قرب
وصوله إلي أرضية الحفلة.. بينما هذا كله يحدث.. لم أستطع منع بوصلة دماغي
من الإرتداد للوراء.. إلي كل تلك السنين الجميلة من الفن والقلق والتوتر..
إلي 30 سنة من الغناء والستوديوهات والألبومات والبروفات واللوكاشنات
والأفلام والكليبات والتليفزيون والمسارح والحفلات والسفريات والمقابلات..
30 سنة من التفكير والذكاء الفني والإحساس بالناس كانوا هم الثمن الخاص
الذي دفعه «محمد منير» مقابل الحصول علي قلوب كل هذه الأعداد من المحبين
والعشاق والمريدين.. 30 سنة من الصدق والعمل الدؤوب والتفكير المتحرر
بعيداً عن الأفكار المعلبة والأنماط التقليدية.. 30 سنة من الفن الرائق
المصفي لآخر قطرة كانوا هم السبب الرئيسي وراء تكدس الشوارع المحيطة بدار
الأوبرا وشوارع وسط البلد يوم الجمعة الماضية في نفس المشهد المتكرر بتاع
كل حفلة للملك في الأوبرا.. عدد السنين والتجارب التي دفعها منير مقابل
الحصول علي كل هذا الحب.. وحرصه طوال ذلك التاريخ المشرف علي عدم إمتهان
عقول مستمعيه وخداعهم بتقديم نوعية واحدة فقط من الغناء عن حبيبتي اللي
هجرتني أو اللي سبتها أو اللي إتزفتنا أنا وهي مع بعض.. كل هذا كافي جداً
لكي تحبه وتحترمه.. وتحب وتحترم ما يقدمه من فن.. كان هذا كله يدور في
دماغي بينما الفراغات المتبقية من أرضية الحفلة تواصل إمتلائها بشكل
تدريجي.. وبينما يواصل مؤشر بوصلة دماغي تحركاته الزمنية.. ويذهب تجاه
إمبارح.. اليوم الذي سَبَق الحفلة مباشرة.. والذي يحمل في رمضان دلالته
الخاصة المتمثلة في أنه اليوم الرسمي المخصص للإفطار الجماعي في صومعة
الملك الخاصة بجاردن سيتي.. هذا الإفطار الذي يعقبه الذهاب إلي الأوبرا..
حيث آخر بروفة قبل الحفلة.. وفي حالة الحفلة الأخيرة.. كانت البروفات
ممتدة لمدة ثلاثة أيام قبل الحفلة.. وهو ما يأتي متماشياً تماماً مع تعريف
«جبران خليل جبران» للعمل في كتاب «النبي».. حيث يقول.. «أنت تعمل كي
تلاحق الأرض.. وتُقارِب سرها.. ومن تواني عن العمل صار غريباً عن
مواقيتها.. خارجاً عن موكب الحياة».. لهذا.. «منير» دائماً وفي كل تفاصيله
في قلب قلب موكب الحياة.. لأنه لا يتواني عن العمل الذي يحبه.. لأنه لا
يتواني عن.. الغناء!
بعد أن أصبحت محاطاً تماماً من الجهات الأربع
بنقاط الرؤوس البشرية المتراصة بجانب بعضها البعض.. كانت المؤشرات جميعها
تشير إلي قرب بدء الليلة.. الدخان الذي بدأ ينبعث من المسرح.. أفراد فرقة
منير الذين بدأوا في إحتلال أماكنهم خلف آلاتهم علي المسرح.. التمهيد
الموسيقي من «شريف نور» علي الكيبورد.. كل الأمور الآن باتت مهيئة تماماً
للحظة التي تنتظرها كل تلك الآلاف من البشر.. لحظة ظهور محبوبهم الملك
«محمد منير» علي خشبة مسرحه ممسكاً بصولجانه المصمم خصيصاً علي هيئة
«مايك».. محاطاً بكل تلك الهتافات وكل هذا التقدير والحب.. كانت الهتافات
تتصاعد.. وكانت المقدمة الموسيقية الهادئة من الكيبورد تعلن عن بداية غير
معتادة للحفلة.. ولكن المفاجأة كانت أكبر من التوقعات.. المفاجأة كانت
مباغته تماماً.. وهكذا.. قرر الملك أن يبدأ غنائه لتلك الليلة بتلك
الكلمات.. «ما نرضاش.. يخاصم القمر سماه.. ما نرضاش.. تدوس البشر بعضها..
ما نرضاش.. يموت جوا قلبي نداه.. ما نرضاش.. تهاجر الجذور أرضها».. هكذا..
قرر الملك أن يبدأ حفلته بجعل أجسامنا تأشعر وقلوبنا تتحرك وأرواحنا تغني
معه.. «الحكمة قتلتني.. وحيتني.. وخلتني.. أغوص في قلب السر.. قلب الكون..
قبل الطوفان ما ييجي.. خلتني أخاف عليكي يا مصر.. وأحكيلك علي المكنون»..
يواصل الملك حدوتته وحدوتتنا كلنا.. بينما تواصل أرواحنا تحليقها مع نزيف
الكلمات.. لتختلط أصوات الآلاف بصوت الملك.. الجميع يردد كلمات واحدة..
«لا يهمني إسمك.. لا يهمني عنوانك.. لا يهمني لونك.. ولا بلادك.. مكانك..
يهمني الإنسان.. ولو مالوش عنوان».. بعدها سوف تحتاج إلي كثير من التركيز
لتستطيع الإستماع إلي منير وهو ينطق جملته الأخيرة في الأغنية.. فطوفان
تصفيق كفوف الآلاف الذين يملأون ساحة الحفلة بالأوبرا كان هادراً بشكل لم
تجدي معه كل تلك الطاقة الهائلة للساوندات نفعاً.. كان منير يضع جوهرة
التاج في أيقونته الغنائية «حدوته مصرية» وهو ينهيها وسط هتافات الحب
والتقدير الهادرة.. «يا ناس يا مكبوتة.. هي دي الحدوتة.. حدوتة مصرية»!
الآن
خلاص.. الجميع دخل في المود.. فالقوة الدافعة لتلك البداية الإنفجار كانت
هي التجسيد الأمثل لمقولة «جبران» من أن.. «المغني البارع بحق هو من
يستطيع أن يصيغ من صمتنا غناءً».. وهذا هو بالظبط ما فعله منير بمثل تلك
البداية التي بدت وكأن الناس مستنيينها.. منير صاغ من صمتنا غناءً.. صاغ
من حزننا فرحة.. صاغ من أصواتنا الجماعية المتفرقة صوتاً واحداً.. خصوصاً
بعد أن بدأ أغنيته الثانية.. «يا عيني يا عيني.. يا عيني ع الولد».. الآن
إتضحت الأمور أكثر.. الآن تأكد الجميع أنه.. منير النهاردة رايق يا جدعان!
«الواد
كما أي عيل في عيال ناس البلد.. جسمه برضك قليل زي عيال البلد».. يواصل
الملك «روقانه» وتواصل الجماهير «سلطنتها».. وينهي منير أغنيته الثانية..
ليعقب أولي تعقيباته في الحفلة.. ولمن لا يعلمون.. تلك التعقيبات بين
الأغاني ينتظرها جمهور منير من الحفلة للحفلة.. وهي تعني عندهم الكثير
والكثير.. قال الملك.. «أنا باعتبر إن دا حدادي الخاص علي اللي حصل لأهلنا
في الدويقة.. وكل مليم دفعتوه النهاردة في تمن التذكرة حيروح لدار الهلال
المصري لمساعدة المتضررين هناك.. ودي أقل حاجة نقدر نعملها كمجتمع مدني»..
ينطلق شلال جديد من التصفيق والهتاف الهادر.. يقطعه صوت الملك وهو يبدأ
أغنيته الثالثة.. «جاي من بلادي البعيدة.. لازاد ولا مية.. وغربتي
صاحبتي.. بتحوم حواليَّا.. وإنتي تقوليلي.. باحبك.. تحبي إيه فيا.. ودا حب
إيه دا اللي من غير أي حرية»!
يواصل الجمهور إستمتاعه.. ويواصل
الملك تألقه وروقانه وغناءه وتحريضه علي كل ما هو جميل وراقي ومتحضر..
لذلك.. يهاجم الملك ظاهرة المعاكسة في الشوارع.. ويقول.. «زمان.. لما كنا
نلاقي حد زودها مع بنت في الشارع والبنت متضايقة منه.. كان بيبقي لازم
نتدخل كشباب ورجاله وولاد بلد عشان نفهمه بالراحة وبالذوق إن كده غلط.. يا
جماعة.. اللي بيحب محمد منير بجد.. بلاش يضايق البنات في الشارع».. ينطلق
الهتاف الرسمي لجمهور منير.. الكبير كبير يا محمد يا منير.. بينما أفكر
بيني وبين نفسي.. «يا تري كم ولد حيبقي حيعاكس بنت.. وحيفتكر كلام منير..
فحيتراجع عن المعاكسة»؟!.. أنبسط بهذه الروح وبهذا الرقي والتحضر.. بينما
ينطلق صوت الملك.. «في بلدي البنات.. كل البنات.. ماشية وظابطة.. في إيدها
الساعات»!
يُنهي الملك أغنيته.. ثم يؤكد بعدها علي أنه.. «أي نعم
المعاكسة غلط.. بس لما تكون المعاكسة لطيفة.. وللطيفة.. يبقي مسموح
بيها».. ينطلق التصفيق والهتاف بينما يذهب منير لإستقبال ضيفته لتلك
الحفلة الجميلة.. الجميلة دوماً «لطيفة».. يُغنيا معاً «تحت الياسمينة»
لمنير.. و«يبقي إنت أكيد المصري» للطيفة.. يحيي الجمهور لطيفة بعد أن
تحييه وتحيي الملك.. ثم تترك لطيفة المسرح.. ويواصل الملك.. رَوَقانه!
ينهمر
طوفان الغناء الملوكي بعدها.. «حتي حتي».. «يا بوالطاقية».. «أحمر
شفايف».. «غريبة».. «شبابيك».. «شيكولاتة».. «علموني عنيكي».. «أنا قلبي
مساكن شعبية».. «كان فاضل».. أغاني كثيرة تحمل كل أغنية فيهم حكاية خاصة
بكل واحد منا بشكل يؤكد أن «منير» بالفعل هو الخلفية الصوتية الملائمة لكل
قطعية «الحقيقيين» من البشر!
«إذا أردت أن تحوز شيئاً.. لا تطالب
به».. مقولة للعم «جبران خليل جبران» تصلح تماماً لأن أنهي بها الكتابة..
فمنير لم يطلق علي نفسه لقب «الملك».. لهذا.. حصل عليه بإرادة جمهور محبيه
وعشاقه ومريديه.. هؤلاء المريدين الذين كان يسير أمامي منهم 5 شباب زي
الفل في طريق الخروج من الحفلة.. وهم يغنون معاً بمنتهي الإنتشاء
والسعادة.. «في كل حي ولد عترة وصبية حنان.. وكلنا جيرة وعشرة.. وأهل
وخلان»!
الآن.. وبينما تقرأون تلك الكلمات.. يقوم الملك بتصوير
أغنية «نيجيري بيه» في «أسوان».. الآن.. قد يكون الملك جالساً في شرفة
قصره المواجه لنيل أسوان.. ينظر إلي المدي المفتوح أمامه.. بينما تدور في
عقله كلمات مثل تلك.. «النيل سؤال ومازال.. ماجاش عليه الرد.. من قد إيه..
ولفين.. ما قالش عمره لحد.. ولا بيوصل
«المغني البارع بحق
هو من يستطيع أن يصيغ من صمتنا.. غناءً».. مقولة للعم «جبران خليل جبران»
لن تستطيع أن تمنعها من التردد بداخل دهاليز عقلك الصغير أثناء سَيرَك
البطئ والمتمهل وسط كل تلك الجحافل من العشاق والمحبين والمريدين أثناء
رحلة الخروج من داخل السياج القماشي الأزرق المضروب حول الـ stage ومن
أمامه الساحة الواسعة عقب كل حفلة له علي مسرحه الخصوصي الكائن بدار
الأوبرا المصرية.. الملك.. محمد منير.
إذا كانت تلك المقولة
تنطبق علي منير في كل حفلاته وأغانيه عموماً.. فإنها في حفلة يوم الجمعة
اللي فاتت كانت تنطبق عليه تحديداً.. فبينما تواصل المساحة الواقعة بداخل
السياج القماشي الأزرق المحيط بمكان الحفلة إمتلاءها بذلك المزيج البشري
الغريب والمميز لجمهور منير من كل الأعمار والثقافات والبيئات والجنسيات..
وبينما الجميع منهمك في الاستقرار علي الموقع الذي سوف يشاهد منه الحفلة..
وبينما التليفونات شغالة الله ينور بين الجميع.. «إنت فين»؟!.. «أنا علي
يمين المسرح.. وإنت»؟!.. وبينما أكثر من قصة حب تستعد لترتع بحرية علي
أرضية ساعتان من الغناء الحقيقي للحب والحرية والإنسان.. وبينما الساحة
الواسعة تواصل تحولها التدريجي من الفراغ إلي الإمتلاء بنقاط صغيرة
ومتراصة بجانب بعضها البعض من الرؤوس البشرية والأدمغة المشتاقة لتعميرها
بشوية فن من اللي بجد.. وبينما الوضع في خلفية الـ stage بات ينبئ عن قرب
وصوله إلي أرضية الحفلة.. بينما هذا كله يحدث.. لم أستطع منع بوصلة دماغي
من الإرتداد للوراء.. إلي كل تلك السنين الجميلة من الفن والقلق والتوتر..
إلي 30 سنة من الغناء والستوديوهات والألبومات والبروفات واللوكاشنات
والأفلام والكليبات والتليفزيون والمسارح والحفلات والسفريات والمقابلات..
30 سنة من التفكير والذكاء الفني والإحساس بالناس كانوا هم الثمن الخاص
الذي دفعه «محمد منير» مقابل الحصول علي قلوب كل هذه الأعداد من المحبين
والعشاق والمريدين.. 30 سنة من الصدق والعمل الدؤوب والتفكير المتحرر
بعيداً عن الأفكار المعلبة والأنماط التقليدية.. 30 سنة من الفن الرائق
المصفي لآخر قطرة كانوا هم السبب الرئيسي وراء تكدس الشوارع المحيطة بدار
الأوبرا وشوارع وسط البلد يوم الجمعة الماضية في نفس المشهد المتكرر بتاع
كل حفلة للملك في الأوبرا.. عدد السنين والتجارب التي دفعها منير مقابل
الحصول علي كل هذا الحب.. وحرصه طوال ذلك التاريخ المشرف علي عدم إمتهان
عقول مستمعيه وخداعهم بتقديم نوعية واحدة فقط من الغناء عن حبيبتي اللي
هجرتني أو اللي سبتها أو اللي إتزفتنا أنا وهي مع بعض.. كل هذا كافي جداً
لكي تحبه وتحترمه.. وتحب وتحترم ما يقدمه من فن.. كان هذا كله يدور في
دماغي بينما الفراغات المتبقية من أرضية الحفلة تواصل إمتلائها بشكل
تدريجي.. وبينما يواصل مؤشر بوصلة دماغي تحركاته الزمنية.. ويذهب تجاه
إمبارح.. اليوم الذي سَبَق الحفلة مباشرة.. والذي يحمل في رمضان دلالته
الخاصة المتمثلة في أنه اليوم الرسمي المخصص للإفطار الجماعي في صومعة
الملك الخاصة بجاردن سيتي.. هذا الإفطار الذي يعقبه الذهاب إلي الأوبرا..
حيث آخر بروفة قبل الحفلة.. وفي حالة الحفلة الأخيرة.. كانت البروفات
ممتدة لمدة ثلاثة أيام قبل الحفلة.. وهو ما يأتي متماشياً تماماً مع تعريف
«جبران خليل جبران» للعمل في كتاب «النبي».. حيث يقول.. «أنت تعمل كي
تلاحق الأرض.. وتُقارِب سرها.. ومن تواني عن العمل صار غريباً عن
مواقيتها.. خارجاً عن موكب الحياة».. لهذا.. «منير» دائماً وفي كل تفاصيله
في قلب قلب موكب الحياة.. لأنه لا يتواني عن العمل الذي يحبه.. لأنه لا
يتواني عن.. الغناء!
بعد أن أصبحت محاطاً تماماً من الجهات الأربع
بنقاط الرؤوس البشرية المتراصة بجانب بعضها البعض.. كانت المؤشرات جميعها
تشير إلي قرب بدء الليلة.. الدخان الذي بدأ ينبعث من المسرح.. أفراد فرقة
منير الذين بدأوا في إحتلال أماكنهم خلف آلاتهم علي المسرح.. التمهيد
الموسيقي من «شريف نور» علي الكيبورد.. كل الأمور الآن باتت مهيئة تماماً
للحظة التي تنتظرها كل تلك الآلاف من البشر.. لحظة ظهور محبوبهم الملك
«محمد منير» علي خشبة مسرحه ممسكاً بصولجانه المصمم خصيصاً علي هيئة
«مايك».. محاطاً بكل تلك الهتافات وكل هذا التقدير والحب.. كانت الهتافات
تتصاعد.. وكانت المقدمة الموسيقية الهادئة من الكيبورد تعلن عن بداية غير
معتادة للحفلة.. ولكن المفاجأة كانت أكبر من التوقعات.. المفاجأة كانت
مباغته تماماً.. وهكذا.. قرر الملك أن يبدأ غنائه لتلك الليلة بتلك
الكلمات.. «ما نرضاش.. يخاصم القمر سماه.. ما نرضاش.. تدوس البشر بعضها..
ما نرضاش.. يموت جوا قلبي نداه.. ما نرضاش.. تهاجر الجذور أرضها».. هكذا..
قرر الملك أن يبدأ حفلته بجعل أجسامنا تأشعر وقلوبنا تتحرك وأرواحنا تغني
معه.. «الحكمة قتلتني.. وحيتني.. وخلتني.. أغوص في قلب السر.. قلب الكون..
قبل الطوفان ما ييجي.. خلتني أخاف عليكي يا مصر.. وأحكيلك علي المكنون»..
يواصل الملك حدوتته وحدوتتنا كلنا.. بينما تواصل أرواحنا تحليقها مع نزيف
الكلمات.. لتختلط أصوات الآلاف بصوت الملك.. الجميع يردد كلمات واحدة..
«لا يهمني إسمك.. لا يهمني عنوانك.. لا يهمني لونك.. ولا بلادك.. مكانك..
يهمني الإنسان.. ولو مالوش عنوان».. بعدها سوف تحتاج إلي كثير من التركيز
لتستطيع الإستماع إلي منير وهو ينطق جملته الأخيرة في الأغنية.. فطوفان
تصفيق كفوف الآلاف الذين يملأون ساحة الحفلة بالأوبرا كان هادراً بشكل لم
تجدي معه كل تلك الطاقة الهائلة للساوندات نفعاً.. كان منير يضع جوهرة
التاج في أيقونته الغنائية «حدوته مصرية» وهو ينهيها وسط هتافات الحب
والتقدير الهادرة.. «يا ناس يا مكبوتة.. هي دي الحدوتة.. حدوتة مصرية»!
الآن
خلاص.. الجميع دخل في المود.. فالقوة الدافعة لتلك البداية الإنفجار كانت
هي التجسيد الأمثل لمقولة «جبران» من أن.. «المغني البارع بحق هو من
يستطيع أن يصيغ من صمتنا غناءً».. وهذا هو بالظبط ما فعله منير بمثل تلك
البداية التي بدت وكأن الناس مستنيينها.. منير صاغ من صمتنا غناءً.. صاغ
من حزننا فرحة.. صاغ من أصواتنا الجماعية المتفرقة صوتاً واحداً.. خصوصاً
بعد أن بدأ أغنيته الثانية.. «يا عيني يا عيني.. يا عيني ع الولد».. الآن
إتضحت الأمور أكثر.. الآن تأكد الجميع أنه.. منير النهاردة رايق يا جدعان!
«الواد
كما أي عيل في عيال ناس البلد.. جسمه برضك قليل زي عيال البلد».. يواصل
الملك «روقانه» وتواصل الجماهير «سلطنتها».. وينهي منير أغنيته الثانية..
ليعقب أولي تعقيباته في الحفلة.. ولمن لا يعلمون.. تلك التعقيبات بين
الأغاني ينتظرها جمهور منير من الحفلة للحفلة.. وهي تعني عندهم الكثير
والكثير.. قال الملك.. «أنا باعتبر إن دا حدادي الخاص علي اللي حصل لأهلنا
في الدويقة.. وكل مليم دفعتوه النهاردة في تمن التذكرة حيروح لدار الهلال
المصري لمساعدة المتضررين هناك.. ودي أقل حاجة نقدر نعملها كمجتمع مدني»..
ينطلق شلال جديد من التصفيق والهتاف الهادر.. يقطعه صوت الملك وهو يبدأ
أغنيته الثالثة.. «جاي من بلادي البعيدة.. لازاد ولا مية.. وغربتي
صاحبتي.. بتحوم حواليَّا.. وإنتي تقوليلي.. باحبك.. تحبي إيه فيا.. ودا حب
إيه دا اللي من غير أي حرية»!
يواصل الجمهور إستمتاعه.. ويواصل
الملك تألقه وروقانه وغناءه وتحريضه علي كل ما هو جميل وراقي ومتحضر..
لذلك.. يهاجم الملك ظاهرة المعاكسة في الشوارع.. ويقول.. «زمان.. لما كنا
نلاقي حد زودها مع بنت في الشارع والبنت متضايقة منه.. كان بيبقي لازم
نتدخل كشباب ورجاله وولاد بلد عشان نفهمه بالراحة وبالذوق إن كده غلط.. يا
جماعة.. اللي بيحب محمد منير بجد.. بلاش يضايق البنات في الشارع».. ينطلق
الهتاف الرسمي لجمهور منير.. الكبير كبير يا محمد يا منير.. بينما أفكر
بيني وبين نفسي.. «يا تري كم ولد حيبقي حيعاكس بنت.. وحيفتكر كلام منير..
فحيتراجع عن المعاكسة»؟!.. أنبسط بهذه الروح وبهذا الرقي والتحضر.. بينما
ينطلق صوت الملك.. «في بلدي البنات.. كل البنات.. ماشية وظابطة.. في إيدها
الساعات»!
يُنهي الملك أغنيته.. ثم يؤكد بعدها علي أنه.. «أي نعم
المعاكسة غلط.. بس لما تكون المعاكسة لطيفة.. وللطيفة.. يبقي مسموح
بيها».. ينطلق التصفيق والهتاف بينما يذهب منير لإستقبال ضيفته لتلك
الحفلة الجميلة.. الجميلة دوماً «لطيفة».. يُغنيا معاً «تحت الياسمينة»
لمنير.. و«يبقي إنت أكيد المصري» للطيفة.. يحيي الجمهور لطيفة بعد أن
تحييه وتحيي الملك.. ثم تترك لطيفة المسرح.. ويواصل الملك.. رَوَقانه!
ينهمر
طوفان الغناء الملوكي بعدها.. «حتي حتي».. «يا بوالطاقية».. «أحمر
شفايف».. «غريبة».. «شبابيك».. «شيكولاتة».. «علموني عنيكي».. «أنا قلبي
مساكن شعبية».. «كان فاضل».. أغاني كثيرة تحمل كل أغنية فيهم حكاية خاصة
بكل واحد منا بشكل يؤكد أن «منير» بالفعل هو الخلفية الصوتية الملائمة لكل
قطعية «الحقيقيين» من البشر!
«إذا أردت أن تحوز شيئاً.. لا تطالب
به».. مقولة للعم «جبران خليل جبران» تصلح تماماً لأن أنهي بها الكتابة..
فمنير لم يطلق علي نفسه لقب «الملك».. لهذا.. حصل عليه بإرادة جمهور محبيه
وعشاقه ومريديه.. هؤلاء المريدين الذين كان يسير أمامي منهم 5 شباب زي
الفل في طريق الخروج من الحفلة.. وهم يغنون معاً بمنتهي الإنتشاء
والسعادة.. «في كل حي ولد عترة وصبية حنان.. وكلنا جيرة وعشرة.. وأهل
وخلان»!
الآن.. وبينما تقرأون تلك الكلمات.. يقوم الملك بتصوير
أغنية «نيجيري بيه» في «أسوان».. الآن.. قد يكون الملك جالساً في شرفة
قصره المواجه لنيل أسوان.. ينظر إلي المدي المفتوح أمامه.. بينما تدور في
عقله كلمات مثل تلك.. «النيل سؤال ومازال.. ماجاش عليه الرد.. من قد إيه..
ولفين.. ما قالش عمره لحد.. ولا بيوصل
الثلاثاء يوليو 13, 2010 12:59 pm من طرف RODY
» أبحث عن إسمك بين الأموات
الثلاثاء يوليو 13, 2010 12:31 pm من طرف RODY
» كل سنة اونتي طيبة يا شوشتي
الأربعاء يونيو 30, 2010 7:50 pm من طرف shoshy
» عندما يتحدث الدمع
الإثنين يونيو 07, 2010 5:59 pm من طرف shoshy
» حصـريآ وقبــل آلكـــل ExcLusive : ( Akon Feat. Keri Hilson - Oh Africa ( 2010
الثلاثاء يونيو 01, 2010 2:28 pm من طرف RODY
» كيف تعرف أن شخص يحبك
الإثنين مايو 31, 2010 2:55 pm من طرف RODY
» نصفك الثاني ولكن ...
الإثنين مايو 31, 2010 2:54 pm من طرف RODY
» عندما نعشق من هو ليس لنا
الإثنين مايو 31, 2010 2:52 pm من طرف RODY
» ~|•:.: أحـذر أن ينكـسر قلبكـ :.:•|~
الإثنين مايو 31, 2010 2:48 pm من طرف RODY